الصحبة في اللغة الملازمة والمرافقة والمعاشرة ، يقال صحبه يصحبه صحبة ، وصحابة بالفتح وبالكسر عاشره ورافقه ولازمه ، وفي حديث قيلة خرجت أبتغي الصحابة إلى رسول -الله صلى الله عليه وسلم- ، هذا مطلق الصحبة لغة
الصَّاحِب المرافق ومالك الشيء و القائم على الشيء ، ويطلق على من اعتنق مذهباً أو رأياً فيقال أصحاب أبي حنيفة وأصحاب الشافعي
الصَّاحِبَة الزوجة ، قال تعالى ( وأنَّهُ تَعَالى جَدُّ رَبِّنا ما اتَّخَذَ صَاحِبَةً ولا وَلداً )
الصَّحَابِيّ من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤناً به ومات على الإسلام ، وجمعها صحابة
***************
ما تثبت به الصُّحْبَة
اختلف أهل العلم فيما تثبت به الصحبة ، وفي مستحق اسم الصحبة ، قال بعضهم ( إن الصحابي من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمنا به ، ومات على الإسلام )000وقال ابن حجر العسقلاني ( هذا أصح ما وقفت عليه في ذلك )
فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له ، ومن قصرت ، ومن روى عنه ، ومن لم يرو عنه ، ومن غزا معه ، ومن لم يغز معه ، ومن رآه رؤية ولو من بعيد ، ومن لم يره لعارض كالعمى
ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافرا وإن أسلم فيما بعد ، إن لم يجتمع به مرة أخرى بعد الإيمان
كما يخرج بقيد الموت على الإيمان من ارتد عن الإسلام بعد صحبة النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- ومات على الردة فلا يعد صحابيا
وهل يشترط التمييز عند الرؤية ؟
منهم من اشترط ذلك ومنهم من لم يشترط التمييز
وقال بعضهم لا يستحق اسم الصحبة , ولا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة فصاعدا ، أو غزا معه غزوة فصاعدا ، حكي هذا عن سعيد بن المسيب ، وقال ابن الصلاح هذا إن صح طريقة الأصوليين
وقيل يشترط في صحة الصحبة طول الاجتماع والرواية عنه معا ، وقيل يشترط أحدهما ، وقيل يشترط الغزو معه ، أو مضي سنة على الاجتماع ، وقال أصحاب هذا القول لأن لصحبة النبي صلى الله عليه وسلم شرفا عظيما لا ينال إلا باجتماع طويل يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص كالغزو المشتمل على السفر الذي هو قطعة من العذاب ، والسنة المشتملة على الفصول الأربعة التي يختلف فيها المزاج
***************
طرق إثبات الصحبة
1 - منها التواتر بأنه صحابي
2 - ثم الاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر
3 - ثم بأن يـروى عـن أحـد من الصحابـة أن فلانا له صحبـة ، أو عن أحد التابعين بناء على قبول التزكية عن واحد
4 - ثم بأن يقول هو إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة أنا صحابي000 أما الشرط الأول وهو العدالة فجزم به الآمدي وغيره ، لأن قوله أنا صحابي ، قبل ثبوت عدالته يلزم من قبول قوله إثبات عدالته , لأن الصحابة كلهم عدول فيصير بمنزلة قول القائل أنا عدل000وذلك لا يقبل
وأما الشرط الثاني وهو المعاصرة فيعتبر بمضي مائة سنة وعشر سنين من هجرة النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- لقوله -صلى اللـه عليه وسلم- في آخر عمره لأصحابه ( أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد ) وزاد مسلم من حديث جابر ( أن ذلك كان قبل موته -صلى الله عليه وسلم- بشهر )
***************
عدالة من ثبتت صحبته
اتفق أهل السنة على أن جميع الصحابة عدول ، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة000 وهذه الخصيصة للصحابة بأسرهم ، ولا يسأل عن عدالة أحد منهم ، بل ذلك أمر مفروغ منه ، لكونهم على الإطلاق معدلين بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم ، واختياره لهم بنصوص القرآن
قال تعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أمَّةٍ أخْرِجَت للنّاس )000
واتفق المفسرون على أن الآية واردة في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-000
قال تعالى ( وَكَذلِك جَعَلنَاكُم أمَّةً وَسَطا لِتَكُونوا شُهَدَاء عَلى النّاسِ )000
وقال تعالى ( مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ والذين مَعْهُ أشِدّاءٌ على الكُفّارِ )000
وفي نصوص السنة الشاهدة بذلك كثرة ، منها 000
حديث أبي سعيد المتفق على صحته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه )000
وقال -صلى الله عليه وسلم- ( الله ، الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد أذاني ، ومن أذاني فقد أذى الله ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه )000
قال ابن الصلاح ( ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة ، ومن لابس الفتن منهم فكذلك ، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع ، إحسانا للظن بهم ، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر ، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة ، وجميع ما ذكرنا يقتضي القطع بتعديلهم ، ولا يحتاجون مع تعديل الله ورسوله لهم إلى تعديل أحد من الناس 000
ونقل ابن حجر عن الخطيب في " الكفاية " أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة ، والجهاد ، ونصرة الإسلام ، وبذل المهج والأموال ، وقتل الآباء ، والأبناء ، والمناصحة في الدين ، وقوة الإيمان واليقين القطع بتعديلهم ، والاعتقاد بنزاهتهم ، وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم )000
ثم قال ( هذا مذهب كافة العلماء ، ومن يعتمد قوله ، وروى بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال ( إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق )000ذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق ، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة ، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ، ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة )000
***************
إنكار صحبة من ثبتت صحبته بنص القرآن
اتفق الفقهاء على تكفير من أنكر صحبة أبي بكر -رضي الله عنه- لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، لما فيه من تكذيب قوله تعالى 000
بسم الله الرحمن الرحيم ( إذْ يَقُول لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إنّ اللّهَ مَعَنَا )000
واختلفوا في تكفير من أنكر صحبة غيره من الخلفاء الراشدين ، كعمر ، وعثمان ، وعلي -رضي الله عنهم-000فنص الشافعية على أن من أنكر صحبة سائر الصحابة غير أبي بكر لا يكفر بهذا الإنكار ، وهو مفهوم مذهب المالكية ، وهو مقتضى قول الحنفية ، وقال الحنابلة يكفر لتكذيبه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأنه يعرفها العام والخاص وانعقد الإجماع على ذلك فنافي صحبة أحدهم أو كلهم مكذب للنبي -صلى الله عليه وسلم-000
***************
سب الصحابة
من سب الصحابة أو واحدا منهم ، فإن نسب إليهم ما لا يقدح في عدالتهم أو في دينهم بأن يصف بعضهم ببخل أو جبن أو قلة علم أو عدم الزهد ونحو ذلك ، فلا يكفر باتفاق الفقهاء ، ولكنه يستحق التأديب000
أما إن رماهم بما يقدح في دينهم أو عدالتهم كقذفهم فقد اتفق الفقهاء على تكفير من قذف الصديقة بنت الصديق عائشة -رضي الله عنهما- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بما برأها الله منه ، لأنه مكذب لنص القرآن000
أما بقية الصحابة فقد اختلفوا في تكفير من سبهم ، فقال الجمهور لا يكفر بسب أحد الصحابة ، ولو عائشة بغير ما برأها الله منه ويكفر بتكفير جميع الصحابة ، أو القول بأن الصحابة ارتدوا جميعا بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أنهم فسقوا ، لأن ذلك تكذيب لما نص عليه القرآن في غير موضع من الرضا عنهم ، والثناء عليهم ، وأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فسقة ، وأن هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت ، وخيرها القرن الأول كان عامتهم كفارا أو فساقا ، ومضمون هذا أن هذه الأمة شر الأمم ، وأن سابقيها هم أشرارها ، وكفر من يقول هذا مما علم من الدين بالضرورة 000
وجاء في فتاوى قاضي خان يجب إكفار من كفر عثمان ، أو عليا ، أو طلحة ، أو عائشة ، وكذا من يسب الشيخين أو يلعنهما
لا يوجد حالياً أي تعليق