ثنائية الخير والشر عند اوسكار وايلد ..
تميز أدب أوسكار وايلد (1900-1854) Oscar Wilde الروائي والكاتب المسرحي الأيرلندي بأنه أدب ذاتي، أي أن الكاتب يركز على خبراته الذاتية ويعبر عنها، بوصفها الحقائق الحياتية القائمة في الواقع المعاش، وما مؤلفاته الأدبية غير صورة صادقة تعبّر عن تجاربه الحياتية وخبراته الذاتية. وإن أهم ما تتصف به طبيعته الذاتية التي هي الطبيعة البشرية ذاتها وفق رؤاه، هو ميلها إلى اقتراف الشر و انغماسها في مباهجه، ومحاولاتها الدؤوبة التي تهدف إلى التملص منه والتحرر من إملاءاته السلطوية المقتدرة والعودة إلى حالة حقيقية من البراءة التي تم افتقادها والنظر إليها بوصفها فردوسا مفقودا.
والشر الذي يتحدث عنه أوسكار وايلد، هو ذلك الشر الذي يستبطن الطبيعة البشرية ولا وجود له خارجها، ولا يمكن فصل أدبه عن ميله إلى الانغماس في الشر وإلى الانحلال الأخلاقي والفساد السيكولوجي الذاتي الذي يتطاول إلى أن يأتي على الطبيعة البشرية، وعلى حياتها أيضا في روايته (صورة دوريان جراي The Picture of Dorian Gray).
وأوسكار وايلد ذاته مر في حياته الشخصية كإنسان بخبرة العيش الهانئ البريء والفاضل، إلا أنه انحرف عن المسار القويم، وانزلق باتجاه الرذيلة، وبدأ مشواره الحياتي الهادف إلى استعادة براءته وهناءته وسعادته، التي تدخّل قدره الشخصي الذاتي وانتزعها منه، انتزاعا فظا. والمنوالية السيكولوجية الأخلاقية الذاتية ابتدعت المنوالية التي تتابعت وفقها مؤلفاته الأدبية، ففي بدايات تورطه العميق في الرذيلة، أنتج أوسكار وايلد حكاياته عن الجن والساحرات وحيوانات التنين والمردة الأشرار، وفيها تتضح الثورة على نوازع الشر الكامنة في الطبيعة البشرية، والمجهودات التي تبذلها السيكولوجية الأخلاقية Moral Psychology من أجل القضاء على الشر، والعودة إلى براءة الأطفال. والحكايات المذكورة تنتهي على الدوام بهزيمة الشر الذاتي، والتطهر منه، والعودة إلى حالة البراءة التي تم افتقادها، أي أن مشروع الكاتب الأيرلندي مشروع أخلاقي مثالي في جوهره.
لكن نوازع الشر لها طاقاتها على استنزاف الطبيعة البشرية، وعلى القضاء عليها، ولن يكون بالإمكان وقف امتداداتها وتجلياتها عبر ترياقات من نوع الحكايات الخيالية، التي ينتصر فيها الطيبون على المردة الأشرار، وإن استمرارية نوازع الشر في التفاعل وفي إملاء إرادتها، دال على أصالتها، بمعنى أنها تنتمي إلى الطبيعة البشرية انتماءها العضوي اللصيق، وأوسكار وايلد الذي يستجيب لإملاءاتها، موضوع بأكمله تحت تصرفها، وهو ما يعطيها بعدا ماورائيا، بطريقة أو بأخرى، ووجودها بكامل عنفوانها، دال على أن النموذج البشري هو رغبات سيكولوجية Psychological Desires، وليس أكثر من رغبات سيكولوجية، وما اندفاعه باتجاه مباهجها وجمالياتها، وإصراره على مقاومتها، ومنعها من إيقاع فريستها إيقاعا تاما في الهوة العميقة التي حفرتها لها، الا دليل على أن السيكولوجية أخلاقية في جوهرها، وأن الفصل بين الرغبات السيكولوجية والأخلاق غير واقع في حدود الإمكان، وهكذا فإن الأخلاق تعرقل الرغبات، أو هي موجودة من أجل تحقيق هذه الغاية الأخلاقية التي تواصل اندفاعها، وتتحول إلى غائية أخلاقية مثالية، وأوسكار وايلد وأولئك الذين يدعون إلى الانجراف وراء الشهوات والملذات، هم أولئك الذين تعرقل رغباتهم أخلاقياتهم تارة، وتنتصر عليها، إلى أن تعاود أخلاقياتهم القيام بدورها الفاعل، وهو ما يعني عرقلة الرغبات، والانطلاق وراء المثل الأخلاقي الغائي، أي أن الدعوة إلى إطلاق العنان للشهوات والملذات والدعوة إلى عرقلتها جزئيا في مرحلة أولى وكليا في مرحلة لاحقة، إنما هي الدعوة السيكولوجية الأخلاقية الصادرة عن الطبيعة البشرية ذاتها
ومهما يكن من أمر، فإن امتزاج الرغبات بالأخلاق امتزاجها التام، يعني أننا أمام مشروع أخلاقي مثالي غائي، وهكذا فإن إمكانية انتصار الرغبات على الأخلاق وعلى العقل تظل إمكانية قائمة، وهو ما يتجلى في حياة أوسكار وايلد، وفي روايته (صورة دوريان جراي) تحديدا، وهي الرواية التي تنطوي على توصيف للسيكولوجية التي يتصف بها الكاتب ذاته في المرحلة الثانية من حياته الشريرة، فالشهوات والملذات قد تبدو جميلة ولكنها شريرة، وأبطال الرواية يعبّرون عن اتجاه إرادي واحد، بالرغم من الفروقات الشكلية فيما بينهم، فالرسّام بازيل هولوورد متيم بالجمال إلى أقصى حد ممكن، ودوريان جراي الشاب الذي يتمتع بالجمال والنضارة، قادر على إلهامه وعلى تسيير دفة طاقاته الإبداعية، وهو ما يجعل الجمال ينطوي على بعده الماورائي، إلا أن الرسام بازيل هولوورد يظل قادرا جزئيا على عرقلة اندفاعه وولهه، ومن ثم على تقديم النصائح للشاب الجميل دوريان جراي كي يظل نظيفا وطاهرا ويتجنب الوقوع تحت تأثير اللورد الشرير هنري ووتون، على أن المسار الإرادي الرغبوي الشرير الذي توقف في اللحظة الأخيرة عن اندفاعه لدى بازيل هولوورد وهنري ووتون، هو المسار الإرادي الرغبوي الشرير الذي يستحوذ على مقدّرات دوريان جراي، فالأجواء التي نشأ فيها أجواء تهلل للمسار المذكور، وتنطوي على وعي بشري كامن بمآتيه وبمآلاته. ومن الطبيعي أن يؤسطر هذا المسار ذاته، وهو المسار الذي يحتاج إلى نموذج بشري واقعي، يموت فداء عنه، وما النموذج المطلوب غير دوريان جراي، وبالفعل فإن أي مسار إرادي قادر على إيجاد بطله الواقعي، وما الفروقات بين النماذج الروائية السابقة بالفروقات الجوهرية، وما يحدث في الرواية من تطورات دراماتيكية، إنما هى من صنع ذات واحدة وسيكولوجية أخلاقية تنتصر فيها رغباتها على أخلاقياتها، وهو ما يجعلها تفتقد الغائية المثالية، وتتحول أو ترتد على أعقابها إلى تجربة أو خبرة العبث، التي هي خبرة ماورائية أيضا.
وإذا كان الرسام بازيل هولوورد يمثل الخبرة الجمالية الفنية، فإن هنري ووتون يمثل الخبرة الأخلاقية، وكل منهما ينطوي على الخبرة التي يمثلها الآخر، لكن الخبرة الأخلاقية لدى هنري ووتون خبرة شريرة، وهي تنطوي على نقيضها، أي على الخبرة الخيّرة، وما بازيل هولوورد غير تحويل للخبرة الأخلاقية إلى خبرة جمالية تنطوي على الخبرة الأخلاقية الخيّرة فقط ، وهو الأمر الذي يفسّر اندفاع أوسكار وايلد وراء الحركة الجمالية، ووراء مبدأ الفن للفن، الذي هو في جوهره تعال وتسام أخلاقي، وانطواء تام على النقيض وفي موازاة ذلك يمثل دوريان جراي الخبرة الكلية بفرعيها الجمالي والأخلاقي، ودائما نجد تقليلا من شأن العقل، لصالح الفن الجميل، فالنفور منه نفور شامل وكلي، وهو دال على طبيعة فنية مكتملة وناجزة، والواقع أن الفصل بين الفن الجميل والأخلاق والخبرة الماورائية غير ممكن، والعقل موضوع في كل الأحوال تحت تصرف الطبائع الأخلاقية ذات الميول الفنية الموجودة وجودها السيكولوجي القبلي.
والاْحداث الروائية تتلاحق بطريقة لافتة وعبر منوالية إرادية شوبنهاورية رغبوية ماورائية عمياء، فالشاب الجميل دوريان جراي يقع في غرام الممثلة المغمورة سيسيل فين، وتؤدي رداءة عارضة في تمثيلها إلى تضايقه وتبرمه منها، فإلى انتحارها، وإلى انزلاقه الأخلاقي التام، وما يرافقه من انحطاط وانحلال وفساد عميم، وهو يدخل في صراع مع القدر، كذلك الصراع الذي توجّب على الطاغية ماكبث في مسرحية (ماكبث) للكاتب الإنجليزي الكبير وليم شكسبير (1616-1564) William Shakespeare أن يواجهه، والذي انتهى بدماره، والفارق شكلاني، فانطلاق ماكبث في حياة الخيانة والمكائد والغدر، يوازيه انطلاق دوريان جراي في حياة المجون والفجور والعبث، واستماتة ماكبث في محاولته الاحتفاظ بملكه واندفاعه في طريق الإجرام إلى أقصى مداه، وما رافق ذلك من خوف وعنف وهوس سيكولوجي، كاستماتة دوريان جراي في محاولته الاحتفاظ بجماله ونضارته
وهكذا يندفع دوريان جراي أكثر فأكثر باتجاه الانحلال الأخلاقي، والقوة الشهوية لديه تتحول إلى القوة الغضبية، فيتهم بازيل هولوورد بالمسؤولية عما حدث له، ويقتله، ويهدد الكيميائي آلان كامبل بالقتل إذا لم يستجب له ويعمد إلى إذابة الجثة، وعندما يراه جيمس فين أخو حبيبته السابقة، يحاول الانتقام، لكنه يفشل، على أن منطق القتل أصبح منطقا لا يمكن العدول عنه وأن تتاح الفرصة أمام جيمس فين للانتقام وقتل الخصم، دون أن يكون قادرا على ذلك، يعني أن الخصم قادر على قتله، فالعالم لا يتسع لهما كنموذجين بشريين مختلفين تماما. والانحدار الأخلاقي لدى دوريان جراي، يترافق مع البشاعة والقبح الطارئين على صورته، وهو ما يعني مرة أخرى، أن فصل الأخلاق عن الفن فكرة غير واقعية، ونهاية الرواية دالة على أن نموذج دوريان جراي نموذج شيزوفريني يعانى من فصام فى الشخصية ، واشمئزاز البطل من بشاعته يصل إلى أقصى مداه، ويؤدي به إلى الانتحار، الذي هو محاولة يائسة للقضاء على البشاعة، أو هو محاولة للتخلص من الإرادة العمياء، على أن الانتحار مرفوض وفق راْى الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور (1860-1788) Arthur Schopenhauer، وهو يؤدي إلى تدمير الظاهرة، أي الجسم وليس النفس، والإرادة الكلية تظل باقية على حالها،
فالانتحار الذي يخلص الكائن البشري من وجوده الظاهري لا يخلصه في الواقع من أناه، ودوريان جراي غير قادر على استعادة براءته، وغير قادر على الأخذ بالفضائل الشوبنهاورية الهادفة إلى كف الإرادة العمياء الفاعلة، أي أنه غير قادر على الخلاص نهائيا. والرواية لها تأويلاتها الهامة، التي ينبغي التوقف عندها، وما هي غير رواية معبّرة عن الشر تعبيرا تاما، ومن ثم فإن أعمال الشر تؤدي إلى وفاة دوريان جراي في نهاية المطاف، وهو يتنقل من حالة البراءة، إلى حالة الإقبال على الشر ومباهجه، فإلى القيام بمجهودات ذاتية فاشلة من أجل عرقلته، والعودة إلى براءته المفقودة، وأخيرا إلى الانسياب في تياره الجارف، وهو ما يعني استسلامه للشر وإملاءاته، ووضع مقدّراته تحت تصرفه، وبالطبع فإن الشر يترافق مع الكراهية دائما وأبدا.
واللورد هنري ووتون في رواية (صورة دوريان جراي) هو الشخص الشرير الشقى الذي يقدم النصائح للشاب الجميل دوريان جراي، كي ينزلق إلى دركات الرذيلة، أي إلى دركات المجون والعبث. وفي مقابل هذه الرواية، وما تنطوي عليه من إشكاليات هامة، نجد أن قصة أوسكار وايلد التي حملت عنوان (الأمير السعيد The Happy Prince)، تعبر عن النقيض أي عن الخير تعبيرا تاما، وعلى خلاف هنري ووتون، فإن الأمير السعيد في هذه القصة ينطوي على شخصية نقيضه هنري ووتون، التي تدعو إلى انتهاب الملذات الدنيوية، لكنه الأمير الذي يكتشف لاحقا أن السعادة الحقيقية تكمن فى مفارقة اللذة وأن هذا يترافق مع الفضيلة، على خلاف الرذيلة التي تترافق مع الشقاء، وهو يطلب إلى السنونو الطيب القيام بأعمال الخير والبر، لكن اللافت أن حياة السنونو الطيب تنتهي وما فيها غير أعمال الخير والبر ، والسنونو الطيب رمز ملائكي، ومع ذلك فإن الأمير الذي هو كائن بشرى يقدّم تعاليمه الأخلاقية إلى السنونو الذي يكف رغباته كفا تاما ويكتفي بأعمال الخير والبر، والسنونو الطيب يتنقل على خلاف دوريان جراي، من الميل إلى الإتيان بالأعمال الفاضلة، إلى الإتيان الفعلي بها، فإلى محاولة عرقلة إيثاريته ونكرانه لذاته، لكنها العرقلة التي تتحول إلى الاستسلام التام لمشيئة الفضيلة، وما تتطلبه من إيثارية كاملة، وهو ما يعني أن أوسكار وايلد نموذج أخلاقي لا يؤمن بغير الفضائل التقليدية العرفية، وهو فيكتوري، تطهري، بيورتاني، بالرغم من كل شيء، وما من قطيعة بينه وبين العصر الذي عاش به، وهو العصر الفيكتوري البيورتاني، الذي له وحده حق ادّعاء ملكية أوسكار وايلد ملكية حقيقية وصادقة ولا زيف فيها.
على أن الفارق بين أوسكار وايلد وبطل روايته (صورة دوريان جراي) يظل فارقا قائما، فأوسكار وايلد الذي عاش خبرات دوريان جراي، تابع مساره الإرادي، ولم يتوقف تحت وطأة اليأس الكلي، وما ميّز حياته السيكولوجية الأخلاقية هو انقلاب الأخلاق الفاضلة على الرغبات السيكولوجية أي على الأخلاق الشريرة، ومن ثم فإن الرغبات السيكولوجية لن تكون قادرة على الاستئثار بإمكانيات الشخصية ومقدراتها، ولن تكون قادرة على عرقلة الأخلاق الفاضلة عرقلة تامة، أي أن الطريقة التي إرتاها الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور للتخلص من إملاءات الإرادة وإشراطاتها، أصبحت ممكنة، وعلى العكس من ذلك فإن الرغبات التي استنفذت كافة مطامعها ومطامحها، أصبحت تعاني من التهافت الذي هو قانونها الإجباري، وهو ما يمهد السبيل أمام الأخلاق الفاضلة كي تتقدم، تقدمها المظفر، الذي يؤهلها كي تحتل مركز الصدارة، على حساب السيكولوجية ودوافعها الأنانية الذاتية.
وفي هذه المرحلة الثالثة من حياة أوسكار وايلد الأدبية، تأتى مسرحيته الهامة الدلالة (أهمية أن يكون المرء جادا The Importance of being Earnest)، وفيها يعود أوسكار وايلد عودة الابن الضال إلى مملكة الفضيلة، حيث تسود البراءة والطهارة والنقاء، وحيث تتمكن الفضائل الأخلاقية من احتواء الرغبات السيكولوجية، والإرادة الرغبوية اللذية، أي أنها الرغبات التي تستبطن الظاهرة الحياتية، والتي تنطوي عليها النماذج البشرية، دون أن تكون قادرة على الإتيان بأية أدوار شريرة، فالشهوات أو القوة الشهوية يتم احتواؤها، ولكنها لا تختفي، وهو اتجاه إرادي طوباوي، وعالم المسرحية عالم بريء، والنماذج البشرية الموصوفة بريئة كلها، ولا وجود للقوة الغضبية وعندما تظهر في رواية (صورة دوريان جراي)، يكون ظهورها دليلا على الاستعصاء الذي اْلم بالقوة الشهوية العاجزة عن التخفف من أحمالها الثقيلة. وليس غريبا أن يتم توصيف مسرحية (أهمية أن يكون المرء جادا) للكاتب الأيرلندي أوسكار وايلد بأنها المسرحية الكاملة، والواقع أنها تمثل مشروعا أدبيا ختاميا مبنيا على ما سبقه من تجارب وخبرات عاناها الكاتب معاناة ذاتية كاملة، والتي انعكست في مؤلفاته السابقة عليها، والواقع أنها المسرحية الخيّرة التي تعترض الشر الموجود في تلك المؤلفات السابقة، تبشّر بعالم طوباوي مثالى وفاضل يتحقق فيه الخلاص، والعودة إلى براءة الطفولة، التي طال انتظارها والحنين إليها.
ثم إنها المسرحية التي تمثل الإمكانيات البشرية الواقعية، فالشقيقان جاك وألجيرنون يعيشان حياة الملذات، ويؤكدان القيمة الرفيعة للزواج عبر زواجهما من جوندلين وسيسيلي ، والدكتور تشوزابل والآنسة برزم يعيشان حياة أخلاقية لا تتقبل فكرة خرق القوانين الأخلاقية، فهما يتزوجان ويؤكدان القيمة الرفيعة للزواج أيضا، ودائما يتم احتواء الشهوات في إطار القانون الأخلاقي، ويتم التعامل مع القوانين الأخلاقية ومع الحياة بطريقة مازحة مليئة بالدعابة وطلب العيش بطريقة لا تتطلب من الكائن البشري بذل أي نوع من المجهودات الذاتية التي تمثل أعباء ملقاة على عاتق السيكولوجية والفكر، فالأعباء تختفي والطوباوية الاْخلاقية تواصل اندفاعها، والنماذج البشرية تتخفف من أثقالها تخففا تاما.
وفى مقابل ذلك نجد أن المؤلفات الطوباوية الأخرى ككتاب (النبي) لجبران خليل جبران (1931-1883)، تتضمن تعاليم سيكولوجية أخلاقية غائية مثالية، لكنها التعاليم التي تعني أن النماذج البشرية لن تكون قادرة على التخفف من أثقالها وأعبائها تماما، فالجدية لا تزال قائمة، والترويج للآراء والأفكار ما يزال قائما، بالرغم من الأجواء الطوباوية التي يتصف بها الكتاب...وأوسكار وايلد في مسرحيته (أهمية أن يكون المرء جادا) يحاول التخفف من الأثقال والأعباء التي تنطوي عليها العناوين الموجودة في كتاب (النبي)، كالأبناء والزواج والشرائع والعقوبات والعمل والدين، وما إلى ذلك من عناوين
لم يكن أوسكار وايلد قادرا على التعامل معها بجدية، ولم يكن قادرا على تقبلها أو الترويج لها إلا بطريقة مازحة مليئة بالدعابة وقادرة على النيل من جديتها فى ذات الوقت وفى اّن واحد
لا يوجد حالياً أي تعليق